كيف ادخل الجنة
[١٠] برّهما بالعمل والجوارح ويكون ذلك بطول صحبتهما وملازمتهما، والإنفاق عليهما، وتيسير أمورهما، والقيام على شؤونهما، فلا يجوز للولد أن يخرج مسافراً إلّا بإذنهما، ومن طاعتهما بالجوارج إطعامهما، وإسكانهما، وقضاء حاجتهما. ومن صور برّ الابن لوالديه؛ شكرهما على إحسانهما له، وبرّ خاصّتهما من الناس والإحسان لهم، والترحّم عليهما بعد وفاة أحدهما أو كلاهما، حيث يستمرّ برّ العبد لوالديه حتى بعد موتهما، وذلك بالدعاء والاستغفار لهما على الدّوام، لقوله -تعالى- على لسان نوح -عليه السلام-: (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ) ، [١١] وقوله -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا مَاتَ الإنْسَانُ انْقَطَعَ عنْه عَمَلُهُ إِلَّا مِن ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِن صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو له). [١٢] [١٣] [١٤] مكانة بر الوالدين برّ الوالدين هو إحسان الأبناء لأبويهم قولاً وفعلاً، بإحسان العشرة معهما وطاعتها بقدر الاستطاعة إلا في معصيةٍ، وهذا البرّ من أعظم القربات لله -تعالى-، [١٥] وسببٌ من أسباب دخول الجنّة ، وكسب رضا الله -تعالى- على العبد، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- حين سأله أحد الصحابة -رضي الله عنهم-: (يا نَبِيَّ اللهِ، أيُّ الأعْمالِ أقْرَبُ إلى الجَنَّةِ؟ قالَ: الصَّلاةُ علَى مَواقِيتِها، قُلتُ: وماذا يا نَبِيَّ اللهِ؟ قالَ: برُّ الوالِدَيْنِ، قُلتُ: وماذا يا نَبِيَّ اللهِ؟ قالَ: الجِهادُ في سَبيلِ اللَّهِ).
دروس وعبر من غزوة بني النضير [ عدل] بعد أن ذكر الله -سبحانه وتعالى- في سورة الحشر الأحداث التي حدثت في غزوة بني النضير ، قال: هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ.
وبالبرّ يفرّج الله كربة العبد ويقبل دعاءه؛ كما ورد في القصّة المشهورة للثلاثة الذين حُبسوا بالغار بسبب صخرةٍ ضخمةٍ سدّت عليهم الطريق، فكان دعاء الرّجل البارّ بوالدته سببٌ لانفراج هذه الصّخرة عن الغار وخروجهم منها، وبالبرّ يصلح الله -تعالى- للعبد في ذريّته، ويسبغ عليه صفةً من صفات الأنبياء -عليهم السلام-؛ قال -تعالى- واصفاً يحيى -عليه السلام-: (وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا عَصِيًّا). [٧] [٨] كيفية الإحسان إلى الوالدين الإحسان إلى الوالدين يكون بإحدى خصلتين، هما: [٩] برّهما باللّسان ويكون ذلك بالقول الكريم الطيّب، وتجنّب القول الذي لا يليق بحقّهما، وتجنّب التّعرّض لهما بالسبّ أو الشّتم، فيناديهما الابن بأحبّ الأسماء إلى قلبيهما، ولا يتكلّم بحضورهما إلّا عن علمٍ أو حاجةٍ، وإن كان معهما فعليه الحديث بأدبٍ ولينٍ وخشوعٍ. وهو أمر الله -سبحانه- لعباده، قال -تعالى-: (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً* وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً).
وقد طمع رئيس اليهود من بني النضير ويدعى حُيَي بن أخطب بالبقاء بعد وعود ابن سلول، فبعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنا لا نخرج من ديارنا، فاصنع ما بدا لك.
النضير إلى ديار بني قريظة، فأتى كعب بن أسد القرظي- سيد بني قريظة، وصاحب عقدهم وعهدهم، وكان قد عاقد رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن ينصره إذا أصابته حرب كما تقدم- فضرب عليه حيي الباب، فأغلقه كعب دونه، فما زال يكلمه حتى فتح له بابه، فقال حيي: إني قد جئتك يا كعب بعز الدهر وببحر طام، جئتك بقريش على قادتها وسادتها، حتى أنزلتهم بمجمع الأسيال من رومة، وبغطفان على قادتها وسادتها حتى أنزلتهم بذنب نقمي إلى جانب أحد، قد عاهدوني وعاقدوني على ألايبرحوا حتى نستأصل محمدا ومن معه. فقال له كعب: جئتني والله بذل الدهر وبجهام قد هراق ماؤه، فهو يرعد ويبرق، ليس فيه شيء، ويحك يا حيي! فدعني وما أنا عليه، فإني لم أر من محمد إلا صدقا ووفاء. فلم يزل حيي بكعب يفتله في الذروة والغارب، حتى سمح له على أن أعطاه عهدا من الله وميثاقا: لئن رجعت قريش وغطفان، ولم يصيبوا محمدا أن أدخل معك في حصنك، حتى يصيا بني ما أصابك، فنقض كعب بن أسد عهده، وبرئ مما كان بينه وبين المسلمين، ودخل مع المشركين في المحاربة ضد المسلمين «١». وفعلا قد قامت يهود بني قريظة بعمليات الحرب. قال ابن إسحاق: كانت صفية بنت عبد المطلب في فارع حصن حسان بن ثابت، وكان حسان فيه مع النساء والصبيان، قالت صفية: فمر بنا رجل من يهود، فجعل يطيف بالحصن، وقد حاربت بنو قريظة، وقطعت ما بينها وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس بيننا وبينهم أحد يدفع عنا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون في غور عدوهم، لا يستطيعون أن ينصرفوا عنهم إن أتانا آت، قالت: فقلت يا حسان، إن هذا اليهودي كما ترى يطيف بالحصن، وإني والله ما آمنه أن يدل على عورتنا من وراءنا من يهود، وقد شغل عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فأنزل إليه فاقتله.
يعرف بـ "بئر الوتر" وكان أغلب القتلى من الأطفال والنساء والشيوخ، ففرت خزاعة إلى الحرم ودخلت فيه ولجأت إلى البيت الكريم. أدركت بنو بكر حرمة المبيت، وشعرت بافتضاح تآمرها، فنادت قائدها نوفل بن معاوية الدؤلي، قائلة له: إنا قد دخلنا الحرم إلهك إلهك. فقال لهم: لا إله اليوم يا بني بكر، أصيبوا ثأركم، فلعمري إنكم لتسرقون في الحرم؟ أفلا تصيبون فيه ثأركم؟ ١. وقد أعانت قريش حلفاءها بالسلاح والرجال، وحاولوا إخفاء ما قاموا به حتى لا ينتقم المسلمون منهم، وظنوا أن ظلام الليل يستر غدرهم. وفي مكة بحثت خزاعة بعد انتهاء العدوان الغادر عن مقر آمن تذهب إليه فلجأت إلى دار بديل بن ورقاء، واستجارت به.
[١٦] المراجع ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عمرو، الصفحة أو الرقم: 2549، صحيح. ↑ "ثمرات بر الوالدين" ، ، اطّلع عليه بتاريخ 15-9-2020. بتصرّف. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم: 85، صحيح. ↑ صلاح نجيب الدق (13-5-2016)، "فضائل بر الوالدين" ، ، اطّلع عليه بتاريخ 15-9-2020. بتصرّف. ↑ رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 1904، صحيح. ↑ رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج المسند، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 12588، صحيح. ↑ سورة مريم، آية: 14. ↑ القسم العلمي بدار الوطن، بر الوالدين وصية الله لك ، الرياض: دار الوطن للنشر، صفحة 8-12. بتصرّف. ↑ محمد المختار الشنقيطي، دروس للشيخ محمد المختار الشنقيطي ، صفحة 3، جزء 41. بتصرّف. ↑ سورة الإسراء، آية: 23-24. ↑ سورة نوح، آية: 28. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1631، صحيح. ↑ أمين الشقاوي (2013)، الدرر المنتقاة من الكلمات الملقاة (الطبعة الأولى)، صفحة 207، جزء 6. بتصرّف. ↑ مجموعة من المؤلفين، نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم (الطبعة الرابعة)، جدة: دار الوسيلة، صفحة 769، جزء 3.
الرواية الثانية أن النبي – ذهب أليهم يطلب منهم المساعدة في دفّع دية رجليْن من قبيلة بني كلابٍ بناءً وفق العهود المُبرمة ، وطلبوا من الرسول الجلوس بجانب جدارٍ كي يقضُ حاجته، وتامروا حتى كاد عمرو بن جحاش أن يلقي عليه رحىً من فوق الجدار ، فقام الرسول من مكانه بعد وحي من الله وعاد إلى المدينة عاقدًا العزم على إخراجهم منها.